"لكل شيء ضريبة، لكن هذه الضريبة يجب أن لا تمر مرور الكرام"..
هكذا قالها جلالته في سيح المسرات منذ أقل من شهر في معرض حديثه عن القضية التي تشغل الجميع ويسببها الجميع.. حوادث السير!
اللوحة الكبرى التي تعتلي منطقة القرم التجارية
ولكن، كيف ترجمت شرطة عمان السلطانية ذلك الحديث؟ تلك قضية أخرى بحد ذاتها.. فقد بدأت الشرطة حملتها (للإعلان الخارجي Outdoor) في أماكن متميزة في شارع السلطان قابوس وفي بعض الولايات. الحملة هي عبارة عن تصميم واحد بخلفية زرقاء مع صورة جلالة السلطان بزي الشرطة (الأزرق كذلك) وسطر باللون الأبيض: "نعم ... يا مولانا ... للحد من حوادث المرور".
أولا قبل أن أبدأ في الحديث عن مدى عمق الحملة، سأمر سريعا على التصميم الذي يبدو أن الشرطة قد قامت بتنفيذه على عجالة لتحقيق سرعة قياسية في الاستجابة للتوجيهات السامية. اللوحة زرقاء بأكملها، مع وضع صورة صاحب الجلالة بزي الشرطة الأزرق كذلك، مما يجعل عناصر التصميم تفتقر تماما إلى عنصر أساسي ألا وهو التباين Contrast. أما في ما يخص العبارة التي تتصدر لوحات الحملة (والتي سأعرج على مضمونها لاحقا) فقد تم استخدام النقاط بشكل غير مستساغ: "نعم (نقطة نقطتين ثلاث نقاط) يا مولانا (نقطة نقطتين ثلاث نقاط) للحد من حوادث المرور"، مما يشتت العبارة بأكملها ويضعف من قوة مضمونها (إن وجد). المشكلة الأكبر تجلت في اللوحة التي استعارتها الشرطة من شركة عمانتل عند جسر الخوير، حيث تم وضع العبارة بطريقة عشوائية مع ضغط الجزء السفلي من العبارة وترك مساحة فارغة كبيرة في الأسفل تؤثر على مدى توازن عناصر التصميم في تلك اللوحة. تجدر الإشارة هنا إلى أن الشرطة قد تعاونت مع كل من شركتي عمانتل والنورس تحصل فيها من خلال ذلك التعاون على اللوحات الخاصة بالشركتين في موقعين متميزين: عمانتل في جسر الخوير، والنورس في جسر القرم في المنطقة التجارية. وعلى ما يبدو كذلك فإن الشرطة لم تف بالتزامها الذي ينص بوضع شعار كل من الشركتين على اللوحة الخاصة بالحملة.
جسر المشاة في الخوير يكتسي بلوحة حملة الشرطة
أما في ما يخص رسالة الحملة فقد أخفقت الشرطة في اختيار الرسالة المناسبة لإيصالها إلى عامة الناس. فقد اختارت الشرطة عبارة "نعم ... يا مولانا ... للحد من حوادث المرور" رغم أن كلمات السلطان لا تحتاج إلى تأكيد أو إعادة، ولم نسمع بأي شخص في أي مكان يقول "لا ... يا مولانا"، بل إن العبارة لا تحمل نبرة التحدي كونها تقول (للحد من حوادث المرور) وليس (لا لحوادث المرور). إن الإمكانات والمكانة التي تتمتع بها الشرطة تحتم عليها أن تقوم بدورها في الإنطلاق من النقطة التي تحدث منها صاحب الجلالة وخلق امتداد لها، لا أن تومئ بالموافقة على ما قاله السلطان وحسب. فالشرطة ونظرا لكل ما تتمتع به من مصادر وإحصائيات ونفوذ قادرة على أن تصيغ رسائل تلامس الناس بشكل أعمق وتحرك فيهم حس المسؤولية تجاه خطر يعصف بهم أكثر مما عصف بهم الفيروس الذي أقاموا عليه الدنيا ولم يقعدوها بعد.
وبالحديث عن الرسائل التي كان من الممكن أن توصلها الحملة، فإنه لا بد أولا من معرفة جوانب القضية (حوادث المرور) ونقاط ملامستها لحياة الناس وهمومهم. هنالك على الأقل ثلاثة جوانب لها علاقة بالقضية: اجتماعية، ودينية، واقتصادية. اجتماعيا هنالك عدة عناصر من ضمنها النظرة التي يوجهها المجتمع إلى (السائق القاتل) والمشاعر السلبية التي يكنها له أهل الشخص المتوفى في الحادث.ويوجد هنالك أيضا الجانب الأخلاقي الاجتماعي الذي سأفسره في ما يلي من السطور. (نحن العمانيون) معروف عنا حسن الأخلاق والادب (في المجالس)، ولكن حين نكون في الشوارع فإن أخلاقنا تصبح وكأننا (أولاد شوارع). في المجالس نقدم غيرنا على أنفسنا ونحيي الآخرين بكل أدب، ولكن في الشوارع لا يحكم الموقف غير الأنانية وعدم التسامح. فلماذا لم توظف الشرطة الجانب الاجتماعي في حملتها؟ هذا سؤال أول.
أما عن الجانب الديني فهو واضح ولا جدال فيه، حيث تحدث سماحة المفتي مرات عديدة عن حكم السائق الذي لا يقود سيارته بمسؤولية. ومن المعروف عنا أيضا (نحن العمانيون) طاعتنا لرجال الدين وتمسكنا بالقيم والتعاليم الإسلامية. أليس من المهم توظيف الجانب الديني في حملة ضد حوادث المرور؟ وهذا سؤال ثان.
الشغل الشاغل، والأسطوانة التي نرددها (نحن العمانيون) دائما وفي كل مرة نشتكي (أو نتشكّى) فيها من أي شيء وكل شيء: ما شي فلوس! أليست حوادث المرور والمخالفات المرورية ومبالغ التأمين وإصلاح السيارات أحد أهم الأشياء التي تثقل كاهلنا؟ ألا ترى الشرطة أن حملة كهذه كان يجب أن تحمل رسائل تتعلق بالجانب الإقتصادي؟ سؤال ثالث.
بصراحة أعجبتني (نحن العمانيون) هذه التي استخدمتها أعلاه، ربما تصلح لأن تكون عنوانا لحملة ضد حوادث المرور. (نحن العمانيون).. بصراحة جد جد يعني!
هنالك شيء حرصت على ان لا يفوتني أن أذكره في هذه التدوينة، وهو فوز السلطنة بجائزة الامير مايكل كينيتسكي الدولية للانجازات في مجال سلامة الطرق للمرة الثانية. لا أعرف ما هي الإنجازات التي حققتها السلطنة في مجال السلامة المرورية في حين أن ما حصدته حوادث السيارات خلال هذا العام (بالعماني: يتعاوط الألف)!
وفي المقابل فإنني أبدي إعجابي الصادق بالصفحة الأسبوعية التي تنشرها الشرطة في الصحف اليومية والجريدتين المجانيتين الأسبوعيتين (الأسبوع) و (TheWeek) والتي تنشر إحصائيات دقيقة بعدد الضحايا أسبوعيا. والحقيقة أنني أرى ذلك فعلا أحد أفضل (ممارسات العلاقات العامة PR Activities) في السلطنة ككل، والحق يقال.
بدر لنتفائل خيراً ....
ردحذفرائع يا بدر.. صمت دهرا ونطق (تبرا)!
ردحذفاسمع: هم بحثوا عن البهرجة والتقرب أكثر ولو على حساب فعالية الرسالة وقوتها..
المهم هو : نحن هنا..نطبّق سطور الخطاب السامي..
التربية : مسابقة حول النطق السامي!
الإذاعة: برنامج حواري و ضيوف سمجين
التلفزيون: سيتكفل المايسترو خالد في برنامجه الشهير بإضافة السكر لإظهار عبود وجماعته بمظهر الوطنيين
و و و و..
أحسن أسكت
(موسى البلوشي) الفشفوشي
مقال جدا جَميل .. وأتفق معك تماماً ..
ردحذف.. لم يعجبني الاعلان ايضا
ردحذفاحسست بانه ناقص او فارغ بمعنى اخر ..
و تحليلك جاء نموذجيا ووافيا ..
اعاذنا الله واياكم من شرور الطريق !
ياخي ماشي غوازي
ردحذفياعزيزي يا بدر من الطبيعي و "نحن العُمانيون" عندما تكون اليد العليا تبعثر أوراق عادات وأعراف من الطبيعي وهم هؤلاء ان نقف ونصفق ونطبل على كل ما يحصل فالغلبان غلبان على حالة وليس يملك الإرداة للتغير أو حتى التفكر في حالة والمرتاح مرتاح بمزاجة ولا يريد أبدا أن يعكر مزاجة.
بصراحة كشخت واجد أنا بهذي التدوينة الجميلة منك
السلام عليكم أيها المشاغب الرائع..
ردحذفاستمر.. استمر
هناك ما يستحق على هذه الارض
لكي نتحدث
عيدكم مبارك
ردحذفتحليل جميل يا بدر.. انتقدت فيه الجوانب السلبية للحملة شكلاً ومضموناً وذكرت فالوقت نفسه بعضاً من الجوانب التي كان يجب وضعها في الاعتبار لحملة " مسؤولية اجتماعية " مهمة كهذه. لا أذكر بالتحديد الحملات السابقة التي قامت بها الشرطة لنفس القضية ولكن ما أذكره أن الرسائل السابقة على الأقل حملت فكرة وهدفاً عكس الرسالة الحالية مثل: لا تتصل حتى تصل ، لا تنهي حياتك بحادث مروري وأخرى غيرها. عموما من الواضح جداً أن الحملة هي محاولة " تملق" علنية لا أكثر.
ردحذفمساء الخير
ردحذفالأخ بدر ، لقد أمسكت القضية من ناحية أخرى ..
شرطة عمان السلطانية حاولت جاهدة أن تكون الأولى في تطبيق خطاب السلطان دون مراعاة لقواعد كثيرة قد ذكرتها في تدوينتك هذه .. والحقيقة أنني تمعنت كثيرا لوحات الأوت دور هذه ووجدت بأنها لن تؤدي الغرض الذي قصده السلطان ، هم كـ كيان له سلطة وقرار وجب عليهم التفكير كثيرا قبل البدء في هذه الحملة .. سواء في عرض التصميم وكيفية تحريك الأنفس تجاه مثل هذه القضية التي باتت تؤرقنا .. ثم أننا (( نحن العمانيين )) ما زلنا في البداية في إعداد حملات كبيرة فلا تيأس فالقادم أجمل بإذن الله .. وفقك الله :)