ما الذي يدفع مؤسسة أو شركة ما إلى إعادة صنع علامتها التجارية، أو ما يسمى بــ(Rebranding)؟ تتعدد الأسباب، ولكن أهمها أو فلنقل أكثرها شيوعاً هو رغبة المؤسسة في بدء عهد جديد تهدف فيه إلى إعادة هيكلة بعض المفاهيم والمبادئ، المهمة والرؤية (Mission and Vision)، المنتجات أو الخدمات، الهيكل الإداري، وحتى الجمهور المستهدف.
وقد شهد مجتمع الأعمال في السلطنة مؤخراً بعض التحركات في هذا الجانب، كان أبرز اللاعبين فيها الطيران العماني، والبنك الوطني العماني. لن نتحدث عن الطيران العماني الآن (ربما سنفرد له موضوعا مستقلا في المستقبل)، لكن الذي ملأ الدنيا وشغلني (على الأقل) هو البنك الوطني العماني وهويته الجديدة التي أطلقها مؤخراً. فقد ضرب (الوطني) مثالاً يحتذى في كيفية إعادة تقديم العلامة التجارية، بدءا من تخطيط ووضع استراتيجيات الاتصال والعلامة التجارية (Branding and Communication Strategy) والتي أسند فيها المهمة إلى وكالتين: الأولى من المملكة المتحدة، وتتلخص مهمتها في وضع استراتيجية العلامة التجارية والخطوط العريضة لها، أما الوكالة الثانية FP7 أو Fortune PromoSeven فقد تولت عملية التطبيق وتصميم كافة متعلقات العلامة التجارية المرئية (Visual Brand). ما يعكس ذكاء القائمين على الإتصالات التجارية للبنك أنهم (أعطوا السيف ضاربه)، فقد أوكل مهمة الإستراتيجيات إلى وكالة عالمية، أما في ما يختص بالتواصل مع المجتمع داخل السلطنة فقد خصص لذلك وكالة محلية هي في نفس الوقت عضو في شبكة عالمية، الأمر الذي يتطلب فهماً أكبر للمجتمع والعادات والتقاليد والثقافة واللغة والدين.
حلقة أخرى في مسلسل النجاح الذي أنتجه (الوطني) هي الحملة الإعلانية التي واكبت تدشين الهوية الجديدة. بدءا من (Teaser Campaign) والتي حملت العناوين: "مرحلة جديدة"، "رؤية جديدة"، "مسؤولية جديدة" مع الشعار اللفظي للبنك "لأجلك. لأجل الوطن"، مرورا بإعلانات تدشين الهوية، وانتهاءً بتطبيق الهوية الجديدة في كل متعلقاتها المرئية مثل الفروع واللوحات وقوالب الإعلانات ومنافذ الصرف الآلي وبطاقاتها وحتى التصميم الداخلى للمكاتب والفروع. كل ما يتعلق بتلك الحملة من توقيت ووسائط إعلانية وتنفيذ دقيق جعلتها من أنجح الحملات التي شهدتها السلطنة خلال الأعوام القليلة الماضية.
إن أكثر ما نال إعجابي من تلك الحملة: الشعار اللفظي "لأجلك. لأجل الوطن"، والتصميم الجديد تماما للوحات فروع البنك، حيث تبرز النقوش المستلهمة من الشعار نفسه بلون أغمق بقليل من لون الخلفية (الأزرق)، مع خاصية توهجها ليلأ فيما يتغير لون الخلفية إلى اللون الاسود الذي يعكس عادةً الرقي والأناقة، مع إحاطة الشعار بخطوط بيضاء لإبرازه، مع وضعه بطريقة (cut-out) خارج إطار اللوحة نفسها. ثم إن هنالك أيضا نقطة مهمة لم ينتبه لها الكثير من المتابعين، وهي احتفاظ البنك باللون الأزرق للوحة، امتداداً للون اللوحة القديم، والغرض من ذلك هو عدم إرباك الزبائن بالتغيير الذي قد يطرأ في حال تغيير لون اللوحة، وقد أحسن مسؤولو التصميم اتخاذ القرار واللعب على الجانب النفسي للزبائن.
طوال الفترة الماضية ومنذ تدشين الهوية الجديدة، تعرض الشعار الجديد للبنك إلى سيل من الإنتقادات بتهمة انه نسخة من شعار الطيران العماني وبضع شركات عمانية أخرى، والمشكلة هنا تكمن في عدم اطلاع القائمين على تصميم الشعار على شعارات الشركات الأخرى، كما أن إغفال مسؤولي البنك لعامل (التميز عن الشعارات الأخرى) قد أوقعهم في فخ (توارد الخواطر) الذي يعاني منه المصممون والمخرجون الإبداعيون (Creative Directors).
عموماً، فإن الحسنات التي جناها (الوطني) من خلال هذه الخطوة تزيد على السيئات، إلا أن القضية المشبوهة التي اكتشفها مسؤولو البنك والتي تورط فيها عدة أطراف قد أساءت إلى هذه الحملة، ألا وهي إعادة تصميم الطابق الأرضي فقط من الفرع الرئيسي للبنك من الداخل، حيث تم صرف ما يتعدى 800,000 ريال عماني (أو ما يقارب المليون حسب مصادرأخرى)، وهو رقم أدهش المسؤولين بعد اطلاعهم على ما تم تطبيقه أصلا على أرض الواقع، كما تم طرد ومحاسبة بعض المتورطين في العملية. بقيت مشكلة صغيرة تداركها البنك حاليا وهي مادة ورق طباعة بطاقات الأعمال لموظفي البنك، حيث تم اكتشاف أن حبر الطباعة لا يلتصق بمادة الورق، ويمكن للتصميم الذي تتم طباعته أن يزول إذا ما تم فركه بطرف الإصبع.
مع خالص الإحترام للبنك الوطني!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق